اقرأ القصة الكاملة لعملية إجلاء راهبات “دار مريم بالشجرة” الي أماكن آمنة بأم درمان
نقلا عن المحقق
احتفظت الراهبة البولندية تريزا لوشوكا بإبتسامة واسعة وهي تروي بدهشة ملحوظة ملاحظاتها عن أمدرمان التي وصلتها من الخرطوم وتحديداً من الجزء الخلفي من منطقة اللاماب، جنوبي الخرطوم، حيث “دار مريم” وهو مقر دار رعاية يتبع للكنيسة الكاثوليكية.
وصلت تريزا رفقة أربع من الراهبات و(أب) إلى محلية كرري في عملية إجلاء نوعية نفذها في ليلة مظلمة أواخر يوليو الماضي القوات المسلحة وجهاز المخابرات العامة نقلتهن من دار المعركة إلى أرض السلام .
تريزا الراهبة التي يبدو من سمتها أنها في السبعينيات من عمرها ظلت تتمسك بمحيا هادئ وودود . توزع الضحكات والطُرف في مقر إقامتها الجديد وهي تقول في حديث خاص لموقع “المحقق” الإخباري: “عندما وصلت أمدرمان لفت نظري الأضواء والضجيج ونبض الحياة الحافل بالحركة” قالت وهي تعتدل على مقعد متحرك : “لم أكن اتصور هذه الحياة .هنا كأنه لا توجد حرب” وإستغرقت في تطواف على المشاهدات التي خصت فيها بالتركيز سوق صابرين الشعبي الذي قالت إنه راقها رغم أنه متواضع وغير منظم
جوانب من المعاناة
تريزا لوشوكا عرضت جوانب من معاناتها منذ اندلاع الحرب في السودان والتي عاصرتها في مثلث الشجرة اللاماب والعزوزاب، جنوبي الخرطوم، تحدثت جغرافيا عن الذخيرة والمدرعات .. روت اليوم (الأثنين) ل “المحقق” قصتها مع (سارة) وهي مسلمة من بنات جبرة كانت تقطع كيلو مترات إلى اللاماب لتمنح دار الرعاية المسيحية بعض العون بقليل سكر وعدس رغم مخاطر الرحلة وما يصاحبها من احتمالات التوقيف في نقاط تفتيش قوات الدعم السريع أو رصاص القناصة الذي كان يتربص بالدار من تجاه أبو حمامة ! روت تيرزا مجازفات جلب الغذاء لدار مريم من أقصى جنوب الخرطوم من تجاه مايو عبر منطقة الكلاكلة اللفة حيث في مرات كثيرة يتم إرجاع الشحنة القليلة التي كان الحصول عليها نفسه يتم بعد معاناة طويلة ومرهقة ومخاطر عصيبة.
أيام عصيبة
الأب جايكوب تلقاندا والذي خدم بالسودان لقرابة 40 عاماُ. قال وهو يمسح الشيب الأبيض الذي تضاعف على رأسه، قال ل “المحقق” بعد أن مسح نظارته الطبية العريضة: “عشنا أياماً عصيبة.. تعرضت دار الرعاية للقصف بالمدافع . قصف كنا نتلقاه من منطقة جبرة” حسبما حدد وأبان.
وأضاف وهو يشرح: “لقد تهدمت غرف بعض الراهبات وتدمر جزء من المدرسة.. اختبرنا عذابات شح الماء ومشاكل الحصول عليه” .. وقال وهو يلملم بعض دمعه: “كنا نستضيف العشرات ممن التحقوا بنا في دار الرعاية.. أحياناً نتقاسم قليل الزاد”.
وأشار، وهو يضحك بأسى “لقد عشنا أياماً على (مديدة) هي خليط من ذرة ودقيق بلا محسنات من ملح أو سكر !
هذا ـ يقول للمحقق – كان يشمل الكل أنا والراهبات والرعية والضيوف.. ويمضي جايكوب يقول كانت ظروفاً عصيبة غير أننا تمسكنا بالبقاء لخدمة الناس. ويضيف بتأثر (السودانيون أناس رائعون . متكاتفون بشكل ملهم).
وأشار جاكوب إلى أنهم تلقوا عوناً كبيراً من بعض التجار عند إنعدام الكاش (النقود) .. و يضيف كان بعض هؤلاء يغامرون للوصول إلينا، وكان غيرهم من العامة إن اشتعلت بعض جوانب المبنى بسبب القصف يسارعون رغم الخطر للمساعدة في إطفاء الحريق !!
الجيش قاسمنا ما يملك
تيريزا لوشوكا الراهبة السبعينية قالت إن مَن سهل بقاءهم وأعانهم، طوال هذه المدة، كان هو السند الكبير الذي وفره رجال القوات المسلحة وسلاح المدرعات تحديداً، وأكدت (للمحقق) أن رجال الجيش السوداني كانوا يتقاسمون ما لديهم مع دار الرعاية وساكنيها .. تمالكت نفسها لبرهة قبل أن تقول: “هؤلاء رجال ودودون وعظماء لطفاء بشكل لا يوصف .. تقاسموا معنا مأكلهم ومشربهم وخدمونا كأنهم أبناءنا” . وأصرت على ذكر اللواء الركن نصر الدين عبد الفتاح قائد سلاح المدرعات الذي قالت إنها لاحظت أنه محبوب من كل سكان مناطق الشجرة وما حولها لتواضعه وحرصه على خدمة الجميع.
تيريزا أشارت إنها لاحظت عند يوم إخلاء الراهبات من الدار أن كثيراً من السكان في منطقة الشجرة وما حولها تحسنت ظروفهم الأمنية والمعيشية ففضلوا البقاء قائلة الأوضاع الآن أفضل بفضل نصر الدين ورجاله من سنة الحرب الاولى والأشهر الماضية
عملية إخلاء احترافية
جايكوب عاد إلى عملية الإخلاء التي قال إنها كانت دقيقة التنظيم والإجراءات وتمت وفق احترافية عالية تكللت بالنجاح الذي امتد من تجميع الراهبات وعدد من الأطفال بدار الرعاية نهاية بالاستقبال في أم درمان والنقل إلى مقر ٱمن مع توفر الرعاية الطبية . جايكوب نفسه سار على نهج تيرزا وعبر عن إمتنان كبير للقوات المسلحة بمنطقة الشجرة وجهاز المخابرات العامة. وكيف أن المؤسستين معاً وفرتا في الفترة الأخيرة بدائل طاقة أسهمت في حل مشكلة المياه ب(دار مريم) مع خدمة الانترنت أسهمت في عرض قضية دار الرعاية ومشكلاتها لجهات خارجية وداخلية … جايكوب قال إن القائد العام للقوات المسلحة ومدير جهاز المخابرات العامة ظلا يتابعان مباشرة عملية الإخلاء والى أن بلغوا الركب أم درمان .
وهنا يتوقف جايكوب لتتداخل الراهبة سرستينا باوا لتقول: “لقد خدمت في بلدان عدة وكنت أرفض الخدمة بالسودان ـ الحديث لسرستينا ـ إلى أن وصلت وأقمت بالشجرة واللاماب . لتضيف بصوت احتشد بالامتنان والفخر : (هذه من أعظم تجارب حياتي ) لتكمل (لقد عايشت شعباً عظيماً . لدرجة أني حيثما أذهب سأطلب العودة لهذا البلد . لقد عايشت مسلمين ومسيحيين لا فوارق بينهم ، لتختم بالدعاء (اتمنى أن يحل السلام وأن يحفظ الله هذا البلد وشعبه).