تحقيق: الاستعباد الجنسي… فتيات للبيع في “خور جهنم” بالسودان
تحقيق: أميرة صالح
يكشف تحقيق “العربي الجديد” الاستقصائي عن اتجار أفراد من مليشيا الدعم السريع بفتيات مخطوفات من عدة بؤر للصراع ويجري استعبادهن جنسياً في مناطق متعددة من أكثرها خطورة “خور جهنم” بدارفور بحسب إفادات وشهادات متطابقة.
-هربت بائعة الشاي السودانية محاسن مهدي من المنزل الذي احتجزها فيه أفراد من مليشيا الدعم السريع في حي جبرة جنوب الخرطوم، بعد اختطافها من مكان عملها في سوق السلمة، إذ قتل الخاطف والذي تمكنت من معرفة اسمه وتفاصيل القضاء عليه، في معركة معسكر المدرعات في حيّ الشجرة جنوب العاصمة، أثناء حديثها مع الحارس الذي تولى مراقبتها.
ولم يكن الفرار سهلا، إذ ترددت يوميا مجموعات متنوعة من قوات الدعم السريع على المنزل، وفي إحدى المحاولات الفاشلة ضبطها الحارس وأخبرها أن زميله الخاطف والذي كان يجبرها على خدمته وإن كان قد مات، لكنها ستكون رهنا لرغبات قادة آخرين.
غير أن مهدي تمكنت من النجاة بحياتها ووصلت إلى مدينة ود مدني وسط البلاد لكنها حملت في أحشائها طفلا نجم عن الاغتصاب، كما روت لـ”العربي الجديد”، قائلة “إنها كانت واحدة ممن لم يتمكن من مغادرة الخرطوم لدى اندلاع الحرب في 15 إبريل/نيسان المنصرم، بسبب ضيق ذات اليد وإصرار والدها على البقاء، حتى تعرضت للخطف والاحتجاز والاغتصاب والاسترقاق كما هددوها بقتل والدها وأجبروا أخيها الصغير على خدمتهم وجلب احتياجتهم”.
وتعد الضحية مهدي واحدة من بين 29 حالة استرقاق جنسي تمكنت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية من توثيقها بمناطق سيطرة الدعم السريع في الخرطوم ونيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، منذ بداية الحرب وحتى نهاية يناير/كانون الثاني 2024، وفق إفادة مديرة الوحدة سليمى إسحق.
استرقاق جنسي
وثقت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة إقدام أفراد من مليشيا الدعم السريع على خطف الفتيات من أجل احتجازهن واسترقاقهن جنسيا، كما توضح إسحق مؤكدة أن عمليات الخطف التي تلقت الوحدة بلاغات بشأنها تمت في السودان لكن بعض الفتيات أكد المبلغون نقلهن إلى خارج البلاد، موضحة أن شهود العيان تحدثوا عن سيارات حملت فتيات مقيدات خارج الخرطوم، وتطابقت الشهادات مع أخرى وقعت في مناطق دارفور التي تشهد وضعا أمنيا سيئا ما دفع الشهود إلى عدم التدخل حفاظا على أرواحهم.
وتتباين الروايات حول طريقة الخطف، إذ اقتيد بعضهن من الشارع العام وأخريات من منازلهن، لكن ما يزال عدد كبير منهن مفقودات، وتفيد معلومات باحتجازهن في مناطق قوات الدعم السريع، كما تقول إسحق، مؤكدة تسجيل 45 بلاغا عن فتيات مختفيات على مستوى الخرطوم، خاصة في حيّ الحلفايا.
29 حالة استرقاق جنسي وثقتها وحدة مكافحة العنف ضد المرأة
ويتطابق ما سبق، مع ما يوثقه تقرير بعنوان الاستعباد الجنسي في خور جهنم (قرية في ولاية شمال دارفور)، الصادر عن المركز الأفريقي للعدالة ودراسات السلام في الخرطوم، والذي رصد أشكال الانتهاكات المتمثلة بالاختطاف والإخفاء القسري والتعذيب والاغتصاب والمعاملة القاسية والمذلة والبغاء القسري في الفترة الممتدة بين مايو/أيار ويونيو/حزيران 2023، ويوثق عبر شهود عيان تجول الخاطفين رفقة فتيات في قرية شنقل طوباي جنوب مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور، وفي قرية الملم بولاية جنوب دارفور ومناطق أخرى وعرضهن للبغاء القسري بينما يبدون في حالة سيئة.
“ووقع استهداف العاملات في أماكن عامة، ويتم احتجازهن واستعبادهن جنسيا في المناطق التي يسيطر عليها الدعم السريع عسكريا”، وينقل التقرير شهادات عن مدنيين مقيمين في قرية كويم الملاصقة للبوابة الغربية لمدينة الفاشر، بأنهم شاهدوا أكثر من 70 سيارة من نوع تويوتا يقودها أشخاص يرتدون زي الدعم السريع، محملة بصناديق وأشياء أخرى، و10 منها تحمل فتيات مقيدات بالسلاسل، وأفاد أحد سكان المنطقة أن الظاهرة شوهدت لأول مرة في مايو 2023 وبدأت بالتنامي.
“وتدخل هذه الممارسات في إطار سلسلة انتهاكات جنسية جسيمة وثقتها المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة في السودان، إذ تلقت أكثر من 50 تقريرا موثوقا عن العنف الجنسي بما في ذلك الاغتصاب الفردي والجماعي ومحاولة الاغتصاب في الفترة الممتدة بين 15 إبريل و2 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وطاولت هذه الحوادث 105 ضحايا من بينهم 86 امرأة ورجل واحد و18 طفلا وطفلة”، كما تلقت المفوضية بحسب ردها المكتوب الذي وصل إلى “العربي الجديد”، تقارير حول اختطاف للنساء والفتيات واحتجازهن في حالة أشبه بالعبودية في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع. وفي بيان صحافي صدر في 3 نوفمبر الماضي، ذكرت أن “معلومات موثوقة من الناجيات والشهود ومصادر أخرى تشير إلى أن أكثر من 20 امرأة وفتاة قد تم اختطافهن، لكن العدد قد يكون أعلى، وأكدت بعض المصادر رؤية نساء وفتيات مقيدات بالسلاسل داخل شاحنات صغيرة وفي السيارات”.
استعباد أسر بكاملها
طاول الاستعباد أسرا بأكملها وفق إفادة المحامي إبراهيم محيي الدين عضو المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري (مبادرة حقوقية)، المختص برصد انتهاكات حقوق الإنسان، ومن بين الحالات الموثقة لأسرة في مدينة الخرطوم بحري اقتحم منزلها عناصر يتبعون الدعم السريع، واحتجزوهم واستغلوهم بأشكال متعددة إذ أجبروهم على خدمتهم واغتصبوا الفتيات، كما يؤكد الضحايا الذين تمكنوا من الفرار وتلقوا العلاج في مدينة ود مدني وسط البلاد.
وخُطفت ماريا حسن من ضاحية الدروشات شمال مدينة الخرطوم بحري بجوار سوق العرب في منتصف يوليو/تموز الماضي، بعدما تلقت عدة ضربات على رأسها قبل أن تفقد وعيها وتستيقظ في منزل يضم العديد من النساء والفتيات في حيّ الحلفايا.
وقضت حسن شهرا ونصف الشهر في ذلك المنزل برفقة 19 فتاة وتبين لها أن الخاطفين ينتمون إلى قوات الدعم السريع، وأجبروا الفتيات على خدمتهم وإعداد الطعام وبعضهن جرى تشغيلهن كممرضات يعتنين بالجرحى، وتقول حسن: “عانينا من أسوأ معاملة وفي أحيان كثيرة لم نجد مياها للشرب”، وتابعت لـ”العربي الجديد”، “حاولت الهروب مع فتاة أخرى لكن عناصر الدعم السريع تمكنوا من القبض علينا وتعرضنا للضرب والحرمان من الطعام لمدة ثلاثة أيام، وتم تشديد المراقبة”، واستمر الحال هكذا إلى أن التحق عدد كبير من العناصر بالعمليات العسكرية وتفرغوا للنهب والسرقة، ما أتاح لها فرصة الهرب.
أسواق بيع الفتيات
يرمي عناصر الدعم السريع الذين يقدمون على اختطاف الفتيات إما إلى القيام بتبادلهن بينهم، أو بيعهن أو طلب الفدية من ذويهن مقابل استعادتهن، وبالفعل تمكنت بعض الأسر من استرجاع بناتهن مقابل مبالغ مالية وفق ما وثقته وحدة مكافحة العنف ضد المرأة.
يبيع أفراد من الدعم السريع المُختطفات في أسواق أو يطلبون الفدية من أسرهن
ويكشف عبد الغفار داود عضو هيئة محامي دارفور، (منظمة محامين سودانيين تأسست عام 1995 وفي عام 2020، حصلت على جائزة الوقف الوطني للديمقراطية لدعم المهمشين في الدفاع عن حقوقهم وتقديم المساعدة القانونية للناشطين الضعفاء قبل وأثناء الاحتجاجات في السودان)، أن العاملين في المنظمة قابلوا ناجيتين كانتا في مدينة الجنينة غرب السودان، حيث يتواجد سوق بيع الفتيات اللائي يتم اختطافهن من الخرطوم ودارفور، ويقع تحديدا شمال غرب أردمتا بالجنينة، وأوضح داود أن بيع الفتيات يتم في مناطق عدة خارج المدن وهي أسواق متنقلة تتبع لأفراد ينتمون الى قوات الدعم السريع، كما أن “هؤلاء يفضلون شراء الفتيات ذوات البشرة البيضاء لتقديمهن للقادة أما الفتيات ذوات البشرة السوداء فيتعرضن لاعتداءات جنسية أكثر ويجري تبادلهن من جندي لآخر كوسيلة لتحفيز أعضاء المليشيا”.
وبالإضافة إلى ما سبق جرى توثيق 10 حالات لنساء بينهن أربع من بائعات المشروبات والمأكولات تعرضن للاحتجاز والاستغلال الجنسي والبغاء القسري علي يد خاطفيهن، في 25 يونيو 2023 بفندق الضمان بالأبيض وسط ولاية شمال كردفان ومبنى العهد الجديد التابع للكنيسة القبطية والبورصة في مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور وتم ارتكاب تلك الجرائم من قبل أفراد يرتدون زي الدعم السريع، بحسب ما جاء في تقرير الاستعباد الجنسي في خور جهنم.
هلاك في “خور جهنم”
“تعبر السودانية أم النعيم والتي تقطن في قرية دامرة شرفة 60 كيلو مترا جنوب غربي مدينة الفاشر شمال دارفور، بأسى عن ضلوع اثنين من أبنائها يخدمان في صفوف الدعم السريع، في اختطاف 8 فتيات خلال معارك الخرطوم في مايو 2023، وحاليا يتم استخدامهن كعاملات جنس في عدة قرى بما في ذلك قلاب وخور مالي وشرفة غرب الفاشر، كما أصبح شمال المدينة نقطة لاختطاف الفتيات ومنها يتم نقلهن إلى مناطق مختلفة”، حسب روايتها التي نقلها تقرير الاستعباد الجنسي في خور جهنم.
وتشهد قرية خور جهنم، تفاقما في حالات إجبار الفتيات على ممارسة البغاء وتحولت إلى سوق للاسترقاق الجنسي، إذ كشفت ناجية يوثق التقرير قصتها أنها خطفت وأخريات من الخرطوم في 17 مايو الماضي، مؤكدة اغتصابهن في مدينة كبكابية شمال دارفور عدة مرات قبل أن يتم عرضهن في أسواق الجنس بخور جهنم.
من جهتها، تنفي قوات الدعم السريع ما ورد من اتهامات لها حول خطف واستغلال جنسي للفتيات في الخرطوم ودارفور، وقال المستشار القانوني للدعم السريع محمد المختار لـ”العربي الجديد”، لسنا بحاجة إلى هذا النوع من التجارة زاعما “أن من يقوم بتلك الادعاءات هم منظمات تعمل على أساس تجريمنا واتهامنا ولم نتلق أي بلاغ أو ما يثبت وقوع تلك الأعمال، ولدينا محاكمات صغرى وكبرى ترصد مخالفات مجندي الدعم السريع وفقا لقانون الدعم السريع ونحن قادرون على محاكمة أفرادنا ولا نستثني أحدا”.
وفي ظل تنامي الجرائم يوما بعد يوم، يشير الناطق الرسمي باسم الشرطة السودانية العميد فتح الرحمن محمد توم في رده على “العربي الجديد” إلى أن “المناطق التي يسيطر عليها الدعم السريع لا تخضع لسلطة الشرطة بالتالي لا يمكنهم توفير الحماية والتحقيق في تلك الأحداث”، مضيفا أنه لم يتم تسجيل أي بلاغ في سجلات الشرطة بشأن خطف أو استغلال جنسي للفتيات من قبل قوات الدعم السريع.
ووسط تفاقم الجرائم، واستمرار الحرب على أجساد النساء ، تؤكد إسحق أن الجريمة وقعت حتى لطفلات اختطفن من أحيائهنّ.