تعذيب وتصفية «معاقين ذهنياً ومصابين بامراض عقلية» علي يد جنود من مليشيا الدعم السريع بالخرطوم
الخرطوم 9 يونيو 2024- كشفت مصادر خاصة لـ«سودان تربيون»، عن تصفية عدد من المعاقين ذهنيا في عدة مناطق بالخرطوم على يد جنود تابعين لقوات الدعم السريع، بإطلاق النار عليهم أو تعذيبهم حتى الموت.
وأوضحت دراسة أجرتها إدارة الرعاية الاجتماعية بولاية جنوب دارفور، قبل سنوات، أن هناك 423 معتوهاً نتيجة للحرب التي اندلعت عام 2003 في الإقليم.
وواجه العشرات من المرضى في مستشفيات الأمراض العقلية بالخرطوم مصيراً مجهولاً بعد اندلاع الحرب.
وقال عضو في غرف الطوارئ الخرطوم لـ«سودان تربيون»، طالباً حجب اسمه وتحديد المناطق الجغرافية لأسباب تتعلق بسلامته وسلامة سكان تلك المناطق، إن جنود الدعم السريع قتلوا عدداً من المختلين عقلياً خلال الأشهر الأولى من الحرب في مدينة الخرطوم، وقامت اللجان المختلفة (المقاومة – الطوارئ) والنشطاء والأهالي بدفنهم في مناطق مختلفة.
وأكد عضوان في لجان الطوارئ بمدينة بحري، قتل أكثر من ثلاثة معاقين ذهنيا برصاص جنود الدعم السريع، مؤكدين أن الجنود يقتلون هؤلاء الأشخاص فور رؤيتهم – بحسب ما قالا لـ«سودان تربيون».
وذكر أحد سكان بحري، عالم أحمد، والذي لجأ إلى دولة جنوب السودان، أنّه خلال وجوده بالمدينة شاهد بالفعل تصفية ثلاثة من المختلين عقلياً في شارع السيد علي “شارع شمبات” خلال فترات متفاوتة.
وأكد أن جنود تابعين للدعم السريع كانوا ينصبون ارتكازاً قرب محطة وقود في بداية الطريق وأطلقوا النار على المصابين بأمراض عقلية، مؤكدين أن أولئك الأشخاص يمكن أن يشكلوا خطراً عليهم وفق مبرراتهم لبعض السكان عند استفسارهم عن أسباب قتلهم المرضى المعاقين.
الجوع والاضطرابات النفسية تفاقم الوضع
ونُقلت السيدة (م) إلى المستشفى الدولي في الخرطوم بحري على وجه السرعة بعد دخولها في غيبوبة إثر تلقيها نبأ وفاة ابنتها ذات الـ 9 سنوات بسبب الجوع، وذلك بعد تدهور حالتها الصحية قبل أسبوعين، وكانت الابنة تعاني من مضاعفات متطورة بسبب انعدام الغذاء الجيد أو المستمر وتناول وجبة واحدة في اليوم.
ومنذ إطلاق الرصاصة الأولى في حرب الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منتصف أبريل 2023، فشلت أسرة (م) في الخروج من الخرطوم بحري لأسباب مادية، وبقيت مع أسرتها الصغيرة المكونة من زوجها وطفلين بعمر 9 و4 سنوات.
اضطرت الأسرة للبقاء في أحد أحياء المدينة التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، معتمدة على بعض “التكايا” التي توفر لهم الطعام، لكن الطفلة (ن) عانت لمدة شهرين كما تروي (م) لـ«سودان تربيون»، من انعدام الغذاء في حده الأدنى رغم محاولة مساعدة بعض المتبقين معهم في الحي بتوفير طعام بديل لـ “بليلة العدس” التي تتناولها الأسرة من أشهر.
علاوة على ذلك، تؤكد السيدة أن الوضع المزرى الذي يعيشه المتبقون بالخرطوم أشبه بالحصار لمنعهم من الخروج من الأحياء دون دفع رسوم للمغادرة، مضيفة إنها احتسبت طفلتها عند “المولى القدير الذي سينتقم لها من المتقاتلين”.
العجز والخوف وسط المحاصرين
وتصف الاختصاصية النفسية بمنظمة “نداء التنمية” التي تعمل مع منظمة “يونسيف” شيماء مصعب، في حديث لـ”سودان تربيون” وضع الموجودين بمناطق القتال بالصعب ومعاناتهم من الخوف والقلق وانعدام الخدمات.
وتؤكد اختصاصية الطب النفسي أم سلمة يوسف هدو، في حديث لـ”سودان تربيون” إصابة أغلب الوافدين بالمناطق المختلفة داخل البلاد، بحالة اضطراب ما بعد الصدمة وحالات اكتئابيه وغيرها من الأمراض النفسية جراء الحرب.
ولفتت أم سلمة، في حديثها إلى “كمية الإحباط واليأس المسيطران على تفكير الوافدين، مع عدم وضع أي خطط مستقبلية والخوف من الجوع والمرض”.
وأضافت: «أكثر ما يؤلمهم هو عدم العمل، إذ يعاني معظم الوافدين من البطالة، ما يزيد من حالتهم النفسية واليأس».
وتحدثت في الوقت نفسه، عن حالة من الفزع والخوف التي ربما تؤدي إلى الهلع لدى الأشخاص الذين مكثوا فترات طويلة بمناطق الحرب أو المتبقين هناك.
وتابعت: “ربما يقع تأثير على الشخص المقيم في مناطق الحرب ويكون مرض ملازم للأبد، لكن أولاً يدخل الشخص في حالة مرضية تسمى الصدمة”.
وتشير الاختصاصية النفسية إلى أن تلك الحالة ربما تمتد من ستة أشهر فما فوق حسب التدخل العلاجي للشخص، مؤكدة أن الأمراض المصاحبة تتمثل في قلق حاد، خوف مرضي، اكتئاب، إحباط والشعور بعدم الأمان.
وفي الأسبوع الأول من الحرب، أنشأ مجتمع المعالجين النفسيين موقعاً مركزياً قوامه 444 كادراً من الأطباء والمرشدين لتقديم العون النفسي، كما أعلن الأطباء في مدن السودان الكبرى ودول الهجرة (مصر والدول الخليجية والولايات المتحدة وكندا وبريطانيا) حالة الطوارئ للعمل على مدار الساعة في العيادات الخاصة وعبر الموقع أو الزيارات المنزلية لتقديم المشورة والوصفات الدوائية وجلسات العلاج المباشرة.
وتؤكد الاختصاصية الاجتماعية ثريا إبراهيم، لـ”سودان تربيون” أن هناك آثار نفسية واجتماعية وقعت على فئات مختلفة جراء الحرب والبقاء في مناطق القتال بما في ذلك الأطفال والنساء وكبار السن.
ورأت أن الأشخاص الذين تعرضوا لمشاكل أثناء الحرب وتلك الانفعالات يحتاجون إلى تأهيل نفسي واجتماعي، علاوة على معاناة آخرين من تفاقم حالاتهم النفسية بعد توقف الخدمات النفسية والمستشفيات.
ونوهت إلى أن كل فئة من تلك الفئات لديها احتياجاتها الخاصة، علاوة على اختلاف درجات التحمل بين الفئات المختلفة ومن شخص لآخر.
وقالت إن هناك من يعتقد أن الخوف ليس ضرورياً، لكن اعتبرت أن الخوف شعور طبيعي ولا عيب فيه، مبينة تأثر الأطفال بشكل أكبر بالخوف حيث مات بعضهم بسبب الصدمة كما قضى بعض كبار السن لذات الاسباب.
وأكدت إبراهيم، أن النتيجة السيئة للخوف هي الموت، مؤكدة أن التطمينات التي تحصل غير كافية ويجب توفير مسارات آمنة للمتبقين أو الموجودين في مناطق القتال.
وفي الوقت نفسه، أعربت عن خوفها من فقدان المزيد من الأشخاص بسبب الخوف وعدم توفير مسارات آمنة تسمح بتقليل الخوف نسبياً والتحرك إلى المناطق الآمنة لتقليل مشاعر الخوف.
وشددت الاختصاصية الاجتماعية، على أن الإحساس المستمر بالخوف يمكن أن يؤدي إلى دخول الشخص في دوامة نفسية سيئة للغاية يصعب علاجه منها.
وذكرت أن عدم الغذاء الكافي زاد من معاناة السودانيين الذين تعرضوا للجوع، فهو مشكلة خطيرة كما تشير تقارير برنامج الغذاء العالمي