حدود المنطق – اسماعيل جبريل تيسو – الجزيـرة، محطة الجنجويد الأخيـرة
وأسالت ولاية الجزيرة الحبرَ بحراً من حزنٍ ووجع، على دماء الأبرياء التي سالت، ودموع الحرائر اللائي اغتصبن، وعلى كافة الانتهاكات والفظائع والجرائم ضد الإنسانية، التي ترتكبها ميليشيا الدعم السريع الإرهابية، منذ اجتياحها مدينة ود مدني في الثامن عشر من ديسمبر من العام الماضي، في عملية خاطفة لم تواجه فيها أي اشتباكات مع القوات المسلحة، وهو أمر أثار الكثير من علامات التعجب والاستفهام.
ورغم المرارات التي خلّفتها انتهاكات الميليشيا المتمردة في القلوب، ولكن معطيات الواقع، تؤكد أن ولاية الجزيرة ستكون مقبرة الجنجويد، وستكتب نهاية فصول هذه الحرب المأساوية والمدمرة والتي تقترب من العام، نقول ذلك وقد بدأت حمى الخلافات وتبادل الاتهامات تسري في جسد الحاضنة السياسية لميليشيا الدعم السريع من خلال التوبيخ الصريح الذي وجهه يوسف عزت مستشار قائد ميليشيا الدعم السريع لياسر عرمان رئيس الحركة الشعبية ـ التيار الثوري، وكان عرمان قد بعث برسالة على منصة إكس ” تويتر” إلى قائد الميليشيا محمد حمدان دقلو، شدد فيها على ضرورة إيقاف القتل الذي تنتهجه الميليشيا المتمردة في ولاية الجزيرة، وأتوقع رداً فاحماً من عرمان ضد عزت، رغم أن البعض يقرأ هذا التوبيخ في إطار الخبث السياسي، ومحاولة تشتيت الانتباه، وشراء مزيد من الوقت، حتى تتوسع الميليشيا في انتهاكاتها الإرهابية، لتجرّ البلاد إلى مزالق المجتمع الدولي وتدخلاته العسكرية.
ومهما يكن من أمر، فإن اللافت في انتهاكات ميليشيا الدعم السريع في ولاية الجزيرة، هو تحريكها لحديث الصمت بين قيادات تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية ” تقدم” التي (اختشت ) أخيراً على نفسها وسجلت إدانة ضد جرائم الجنجويد في حق مواطني الولاية الخضراء، فعل ذلك خالد سلك وقبله ياسر عرمان، وهي إدانات جاءت متأخرة، ومصحوبة برائحة عنصرية بغيضة، باعتبار أن الرجلين لم يحركا ساكناً في كل انتهاكات الجنجويد على مدار العشرة أشهر الماضية والتي طالت ١٣ ولاية سودانية، ولكن عندما وصل الأمر إلى أهلهم وذويهم في ولاية الجزيرة، تحركوا، وحركوا لسان الشجب والإدانة.
ولن ينتهي الأمر عند هذه الإدانات، فالساعات القادمة ستكون حبلى بالكثير من ردود الأفعال الساخنة، بين ميليشيا الدعم السريع المتمردة وحاضنتها السياسية، وربما تنتهي إلى إعلان الطلاق البائن وفك ارتباط الاتفاق الذي وقعه الطرفان مطلع يناير الماضي بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا، وبالتالي قطع الحبل السري لعلاقة الجنجويد بالقحاتة، وهذا ما جنته على نفسها براقش باستهدافها لولاية الجزيرة التي كانت قد أوقفت محاولات تمدد ميليشيا الدعم السريع في ولاية السودان عقب تدفق مد التجييش عبر المقاومة الشعبية، وتسلح المواطنين لحماية أنفسهم، وممتلكاتهم، ومساندة الجيش في دحر المتمردين، فالقتال أصبح فرضاً لدرء الفتنة وكنس دنس الجنجويد، فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين.