الصحفية الفلسطينة هديل صابر تكتب حول ضحايا الاغتصاب علي يد مليشيا الدعم السريع في السودان
|
19 يونيو 2024 , 02:00ص
للمرة الأولى لن أفرد ترويدتي الأسبوعية للشأن الفلسطيني، فمنذ أن بدأتُ الكتابة في زاوية المقالات بـ»جريدة الشرق» سخَرت قلمي لفلسطين وقضيتها انحيازاً لعدالتها، وتكفيراً عن قلة حيلتي في ظل معاناة سكان غزة الذين ذاقوا الويلات ولا يزالون يتجرعون مرارة خذلان أمة بـــأكملها.. وانطلاقا من ديني وعروبتي وإنسانيتي كان من المهم الحديث عن الحرب الأهلية الدائرة في السودان التي اشتعل فتيلها في أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية التي يقودها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، وبين قوات الدعم السريع تحت قيادة محمد حمدان دقلو «حميدتي»، في ظل عالم متخاذل يُمارس دوره ببراعة في الاكتفاء بالإدانة والشجب والاستنكار، والدخول في سجالات ونقاشات عقيمة لإثبات من هو الجاني؟ ومن هو المجني عليه؟، والأهداف الحقيقية لهذه الحرب المستعرة منذ أكثر من عام؟.
- لكنني هُنا ليست بهدف التحليل أو الانحياز إلى جانب ضد آخر، أو إثبات من هو الجاني، ومن هو المجني عليه، فقد تركت مداد قلمي ينحاز إلى صوت الضمير الإنساني في نقل جزء يسير مما تتعرض له حرائر السودان.. ففي الحروب أكثر ما يُخشى عليه هو الاعتداء على النساء واغتصابهن، وهذه الجرائم باتت بالجملة في هذه الحرب، فبالصدفة استوقفتني شهادة لصحفي سوداني يدعى ناجي الكرشابي وهو يسرد قصصا لفتيات سودانيات تعرضن للاغتصاب، وقصة أم أجبرتها المليشيات على تحضير الطعام لمن قاموا باغتصاب بناتها الأربع!، حيث كان بادياً عليه الحِمل الذي وضعه على أكتافه للحديث عما تواجهه السودانيات في هذه الحرب وسط التعتيم الإعلامي والعزلة العالمية عن هذه القضية، وكانت ملامحه تتساءل لماذا هذا يحدث في وطني؟ كيف لأبناء الجلدة الواحدة أن يفعلوا هكذا؟، أين هي النخوة ؟!، وهو ينقل شهادة لإحدى الفتيات السودانيات وكيف تناوب على اغتصابها ما لا يقل عن عشرة رجال من مليشيات قوات الدعم السريع من بينهم أبناء جيران لأسرتها، فيختنق بدموعه التي يحاول كبحها طيلة المقابلة، فلم يستطع المكابرة حتى قُطع التصوير، فيعود مكملاً شهادته نقلا عن الفتاة، دون أن يصدق كيف واجهت هذه الفتاة خساسة الموقف وبشاعته، وهو يحاول أن يستحضر كل قواه لينقل فقط ما عاشته هذه الفتاة، وهو يتملكه شعور العاجز أمام حال هذه الفتاة والمئات من مثيلاتها اللاتي هُتكت أعراضهن من أبناء جلدتهن! ومع رجال يقتسمون معهم الدين والتاريخ والجغرافيا بل اللون والاسم والكنية في بعض الأحيان، فحمله ثقيل أمام أحد أبشع وأعنف الحوادث المرتكبة ضد المدنيين ولاسيما النساء.
- تقرير واحد صادر عن المفوضية السامية لحقوق الإنسان نسب 70 % من حوادث العنف الجنسي المؤكدة لمقاتلين من المليشيا، فيما ذكر تقرير «لحملة معا ضد الاغتصاب والعنف الجنسي» وهي حملة قامت بها مجموعة من منظمات المجتمع المدني، والذي أُجري في الفترة من 15 أبريل وحتى 31 ديسمبر 2023، أنه تم توثيق 189 حالة منتشرة عبر 6 ولايات، وعدد الضحايا 185 أنثى و4 ذكور، وتتراوح أعمار الضحايا بين 11 و45 عاما، كما تبلغ نسبة الأطفال منهم 46 %، ونسبة الشبان والشابات (18-34) 42 %، كما أوضح المشرفون على الحملة أن العينة تتضمن فقط حوادث في ست ولايات، حتى تحولت الخرطوم إلى مدينة تفوح منها رائحة الموت بسبب امتلائها بالجثث والمقابر الجماعية.
- ختاماً….
مع تواصل الحرب في السودان واتساع نطاقها، تزيد احتمالات وقوع المزيد من حالات العنف الجنسي والاغتصاب، وفي هذه الحالات لا يقف هنا، بل الضحايا والناجيات يواجهن واقعاً أسود لا يرحمهن ومستقبلاً ضبابيا لا يتقبلهن نتيجة تبعات حوادث الاغتصاب التي تعرضن لها، فيصبحن أسيرات الألم الجسدي والأثر النفسي، فضلاً عن مواجهة الوصمة في مجتمع لا يرحم، ما زال ينظر لضحايا الاغتصاب نظرة شك، خاصة إذا أنجبت إحداهن طفلا جراء الجريمة، مما يجعل أغلبهن يفكرن في الانتحار أو الهروب بعيداً تحاشياً لنظرة المجتمع لهن ولأسرهن، والسؤال الحاضر دوما في القضايا المتعلقة بالمرأة، أين هي المنظمات النسوية لتسليط الضوء على هذه الجريمة؟ أم أنَّ شاغل هذه المنظمات هو البحث في طرق تشويه فطرة بناتنا ليتمردن على الدين والأخلاق والأعراف فقط ؟!.
مقالات ذات صلة
alsharq
اعتراف «إسرائيلي»: خسرنا معركة الرأي العام العالمي وربحتها قطر
alsharq
مسار الاستقلال والنهوض في ظل التحديات الراهنة
مساحة إعلانية
alsharq
هديل صابر
صحفية فلسطينية
ضحايا الاغتصاب في السودان.. مجرمات بالعرف
19 يونيو 2024
309
خنساء مخيم نور الشمس
12 يونيو 2024
465
مساحة إعلانية
آخر المقالات
alsharq
ناصر بن هطيل المري
الموقف الأمريكي المُعادي للمحكمة الجنائية الدولية
alsharq
إحسان الفقيه
التساهل في التكفير ليس من منهج أهل السنة
alsharq
رأي الشرق
يوم اللاجئ العالمي
alsharq
د. أحمد القديدي
اعتراف «إسرائيلي»: خسرنا معركة الرأي العام العالمي وربحتها قطر
مساحة إعلانية
الأكثر رواجاً
1أفغانستان.. الوجه الجديد 2 نجل الملا عمر يستذكر والده
في الحلقة الثانية من زيارتي إلى أفغانستان.. الوجه الجديد. أفتح حلقة مهمة في دفتر الماضي الطالباني، وهي فترة اختفاء الملا محمد عمر مؤسس حركة طالبان، رحمه الله. كانت وجهتي للقاء نجله ملا محمد يعقوب ووزير دفاع الإمارة الإسلامية الأفغانية، وأجدني قبل أن أبدأ الحديث التاريخي الممتع والشيق مع الملا محمد يعقوب، من الضروري أن أسجل إعجابي بالمترجم الشخصي للملا، وهو الشاب المرتب والمؤدب والمجدّ روح الله الأفغاني، والذي كانت لغته العربية في غاية الجودة والإتقان. كان حين يتحدث العربية يتحدثها كنهر دافق، وبمخارج حروف عربية مبينة، أو كمن يعزف على قيثارة كما وصفه مسؤول عربي أثناء قيامه بدوره في ترجمة كلام الملا يعقوب للمسؤول العربي. في بيته وسط العاصمة الأفغانية كابول آثر الملا محمد يعقوب وزير الدفاع الأفغاني استقبالنا فيه، حيث عاجلني وهو يحضنني كعادة الأفغان، لقد فضّلت لقاءك في بيتنا، لكونك أحد الإعلاميين القلائل الذين التقاهم الوالد رحمه الله. جلسنا على الأرض تماماً كما جلستُ يوم التقيت والده عام 1995 تحت شجرة ضخمة في قصر مؤسس الدولة الأفغانية الحديثة أحمد شاه الأبدالي 1724- 1774 وسط العاصمة الروحية الطالبانية قندهار. يومها افترش الملا رداءه (البتو) الأفغاني على الأرض، لنتشاطر الجلسة عليه سويا. بين الأمس واليوم ظهر أن مياهاً كثيرة جرت، لكن الواقع غير هذا، إذ إن الزمن لم يتغير كثيراً هنا في أفغانستان، فقد عادت طالبان كيومها يوم ولدت، وبرز قادتها كحكام جدد، وانزوى معارضوها إلى الدول المجاورة، تماماً كما حصل يوم هزيمة خصومها عام 1996، باستثناء تحصن قائد المعارضة يومها بجيب بنجشير ثم بدخشان. طوال الساعتين من الحوار الممتع والشيق مع الملا محمد يعقوب مضتا كالبرق، بحيث شمل الحديث أوضاع الإمارة الإسلامية الأفغانية الداخلية، وما حققته وأحرزته خلال السنوات الثلاث الماضية، ومعها الحديث عن العلاقات مع دول الجوار وتحديداً مع باكستان، وحالة التوتر بخصوص وجود مقاتلي حركة طالبان باكستان على الأراضي الأفغانية، لكن ظلت بوصلة الحديث الذي أودُّ توجيهها باتجاه اللغز الذي لا يزال يُحيرني ويُحير كل من تابع ويتابع حركة طالبان الأفغانية، ألا وهو كيف تواصل الملا محمد عمر مع نجله، وقادة طالبان طوال فترة اختفائه. سألته بشكل مباشر، وواضح عن تلك الفترة، وأضفت عليها ممازحاً كان رئيس الحزب الشيوعي السوداني عبد الخالق المحجوب عندما اختفى لسنوات عن أعين الحكم السوداني، قد سئل بعد أن خرج للعلن، عن تجربته خلال فترة اختفائه، فردّ قائلاً: لن أتحدث عنها، لأنني قد أحتاجها؟ ضحك الملا محمد يعقوب، وبدأ حديثه بالقول سأحدثك عن تفاصيل لم نتحدث بها من قبل، فيما يتعلق بتواصل الوالد معنا، وكيف علمنا بوفاته. اعتدل الملا محمد يعقوب في جلسته، وكأنه في حضرة والده، ثم بدأ حديثه قائلاً: (حين بدأ الاحتلال الأمريكي لبلدي أفغانستان عام 2001، كان عمري ثماني سنوات فقط. كنت أتلقى العلم الشرعي على يد مولوي محمد جمعة عمّ والدي، والذي كان أستاذه أيضاً، وكعادة الدراسة الأفغانية، تلقيت العلوم الشرعية، بحسب المنهج الأفغاني، ثم التحقت في مدرسة بكويتا خلال فترة الجهاد الأفغاني ضد الأمريكيين. كنا نقوم بتغيير بيتنا كل عدة أشهر، نتيجة الحاجة الأمنية. لم يكن أحد من زملائي يعرف أنني ابن الملا محمد عمر، كانت الوالدة توصينا بشكل دائم ومستمر بالتزام السرية، ونظراً لكوننا نعيش في منطقة مكتظة بالمهاجرين، القادمين من ولايات ومناطق أفغانية مختلفة، فقد سهّل علينا ذلك عملية الاختفاء والذوبان وسطهم، دون أن نتعرض لكثير من الأسئلة عن أنفسنا). توقف الملا محمد يعقوب، ليستعيد بعض الذكريات، وربما يستعيد معها بعض اللحظات الطفولية التي قضاها مع والده والتي لا يذكر منها إلا لماماً، استغليت صمته لأسارع إلى جوهر المسألة، فسألته، إذن فكيف كان يتم التواصل مع الوالد خلال فترة الغيبة التي امتدت لسنوات، اعتدل ثانية في جلسته، وجمع نفسه مرة أخرى ثم تابع قائلاً: (كان تواصل الوالد عبر أشرطة الكاسيت التقليدية، إذ كان يرسل رسائله المتعددة لمختلف القادة والمسؤولين، وأحياناً يتم التواصل عبر إرسال رسائل شفهية مباشرة، وكان أول مرة أسمع صوته بعد ثلاثة أشهر من اختفائه، حين تحدث معي هاتفياً وذلك عبر هاتف مربوط بالأقمار الاصطناعية، وكانت فرحتي لا توصف).
2919
| 18 يونيو 2024
2قانون الموارد البشرية (2) بدل السكن
حفظ قانون الموارد البشرية للموظفين جميع حقوقهم الإدارية والمالية، كما قام ببنوده بدور ميزان العدل ما بين الموظف وجهة عمله وذلك لضمان الحقوق والواجبات ولحسن سير العمل. عند شروع الموظف بالقيام بإجراءات عقد الزواج، وتجهيز سكن الزوجية فإن الحكومة قامت مشكورة بتأمين ومساعدة الموظف في تقليل ضغط الأعباء الحياتية عليه وتيسيراً للمقدم على الزواج فبادرت بتحمل جزء من قيمة الإيجار وتمثل ذلك في (السكن الحكومي – RA) مع خصم علاوة بدل السكن من الموظف الزوج (منطقي)، ولكن أصبحنا هنا في إشكالية وقوع الخصم على الموظفة الزوجة العاملة في جهة حكومية وغير الحكومية! وهنا البند يضع الموظفة في موضع المشاركة في السكن دون اختيار منها، كما لو افترضنا وجود الموافقة للموظفة من عدمها على الاستفادة من السكن الحكومي وبالتالي الخصم، فذلك يعني في حال عدم موافقتها على الخصم هو ضمنياً عدم حصول الزوجين للسكن الحكومي ! إن الشريعة الإسلامية حددت المتطلبات التي تقع على عاتق الزوج من تأمين المسكن والملبس والمعيشة والقوانين جميعها تسري وفق الشريعة الإسلامية. كما أن قانون الموارد البشرية جعل لكل موظف حقوقاً شخصية مالية وإدارية ولكنه قام هنا وفي هذا البند «بدمج» الموظفين في الحقوق المالية في السكن وإزاحة حق الزوجة في علاوة بدل السكن (كموظف مُستقل) بمعنى آخر إلغاء استقلالية الموظفة المالية عن الزوج! مجرد معادلة حسابية فقط: موظف وزوجته في الدرجة السابعة سيتم خصم بدل السكن فئة متزوج ٤٠٠٠ ريال والزوجة خصمها من فئة أعزب ٢٥٠٠ ريال بمجموع ٦٥٠٠ ريال، فهناك تغطية جيدة للسكن نوعاً ما (٦٠٠٠ ريال). موظف وموظفة على الدرجة الأولى سيتم خصم بدل السكن ٦٠٠٠ ريال من الزوج والزوجة من فئة أعزب ٤٠٠٠ ريال بمجموع ١٠٠٠٠ ريال، فهناك التغطية في أفضل حالاتها هي ٢٥٠٠ ريال فقط! فهل هناك حكمة أو نقاط قد جهلناها أو قد جهلتها شخصياً والتي جعلت نظام الخصم يقع في الاتجاهين (الموظف والموظفة). أخيراً التعديل على بند الخصم الخاص ببدل السكن مطلب للموظفين والاكتفاء بعملية الخصم على الموظف الزوج دون الموظفة «الزوجة» أمرٌ حميد، وسيقفل ما هو خلف الكواليس من أبواب فتحت فيها بعض النزاعات العائلية التي تحدث وذلك بمطالبة الزوجة الموظفة لحقها من الزوج في علاوتها المنزوعة منها بالخصم!
2172
| 16 يونيو 2024
3طوفان الأقصى والتهديد الوجودي للاحتلال
يقول العالم الموسوعي الراحل عبد الوهاب المسيري: «الصهيونية حركة قامت باقتلاع مئات الألوف من اليهود من أوطانهم، ونقلتهم إلى أرض معادية داخل مجتمعات تُكن لهم البغض. ولذا، لجأت الصهيونية للعقيدة اليهودية لتحل مشكلة المعنى للمادة البشرية المنقولة». فدولة الاحتلال قامت على الإحلال والتبديل والتهجير والاستيطان، عندما أدخلت الصهيونية على اليهودية فكرة جديدة على التاريخ اليهودي، وهي القومية اليهودية، وقامت باقتلاع اليهود من مجتمعاتهم التي نبتوا فيها بشكل طبيعي، إلى أرض لها سكانها وتاريخهم وثقافتهم، كما انتزعتهم من لغاتهم التي كانوا يعيشون بها إلى اللغة العبرية التي كانت قد اندثرت معالمها منذ القرن الأول الميلادي، إضافة إلى أن فكرة إقامة وطن قومي في فلسطين بالأساس تواجه معارضة من المتدينين، الذين يؤمنون بأن شتات اليهود إرادة إلهية لا يجوز مخالفتها، ومن ثم يرفضون أن يكون لليهود دولة تجمعهم. ومن أجل هذه العوامل الصعبة ارتدت الصهيونية عباءة اليهودية، وجمعت اليهود على الفكرة المركزية الدينية وهي أرض المعاد، وفكرة أخرى محفزة وهي أرض اللبن والعسل، أي خيرات فلسطين والمستقبل الواعد للمهاجرين اليهود في رغد العيش. الوجود الإسرائيلي في فلسطين مرتبط بالكثافة السكانية اليهودية لأن قوميتهم المزعومة بالأساس قومية بلا أرض، ومن ثم كان أشد ما يؤرق الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، هو خطر الهجرة العكسية، والتي تزداد خطورتها في الأجيال الحالية التي لم تشهد الكيان في طور التكوين، ولم تتشبع بالأفكار الصهيونية في مهدها، فهي أجيال كل ما يهمها رفاهية العيش والأمان والاستقرار، ولذلك يهرع المستوطنون إلى الهجرة مع نشوب الأزمات. وتعد المقاومة الفلسطينية أبرز أسباب هجرة الصهاينة من فلسطين إلى بلاد المنشأ في أوروبا وغيرها، وجاءت معركة طوفان الأقصى التي انطلقت منذ أكثر من ثمانية أشهر، لتعزز من مخاوف الاحتلال أمام هذا الخطر الوجودي الذي يتهدده، حيث زادت الهجرة العكسية بشكل حاد، بعد إخلاء المستوطنات حول غلاف غزة من المستوطنين، واستهداف صواريخ المقاومة المدن الإسرائيلية بما فيها تل أبيب. في نهاية العام قبل الماضي وصل عدد الإسرائيليين الذين غادروا فلسطين المحتلة إلى 900 ألف، وبعد طوفان الأقصى هاجر مئات الآلاف، ففي الساعات الأولى للمعركة هاجر 140 ألفا، ثم ارتفع العدد إلى حوالي ربع مليون مهاجر، وأخذ العدد في الزيادة، وذلك في مجتمع لا يتعدى سكانه اليهود سبعة ملايين بعد استثناء المواطنين العرب في مدن الاحتلال. يعقد الأمر لدى الاحتلال أن هناك مئات الآلاف من الشباب الذين كانوا قد غادروا خلال طوفان الأقصى، مطلوبون للتجنيد ويرفضون العودة، رغم الحاجة الماسة إليهم بسبب تصاعد أعداد قتلى ومصابي الجيش الإسرائيلي في الحرب على غزة. لم تؤثر معركة طوفان الأقصى على الكيان الإسرائيلي من جهة الهجرة العكسية فحسب، بل وقفت حجر عثرة أمام الدعايات الإسرائيلية التي ترغب اليهود بدول العالم للقدوم إلى دولة الاحتلال، وبذلك فقدت حكومة الاحتلال رافدًا مهمًا لتعويض الهجرة العكسية وتجنب الخطر الديمغرافي الناشئ بسبب تزايد مواليد الشعب الفلسطيني خلافًا للإسرائيليين. مع طول أمد المعركة، يتناقص عدد الإسرائيليين ما بين قتلى ومصابين في الحروب، ومغادرين بالهجرات العكسية، ويترتب عليه زيادة اعتماد الجيش الإسرائيلي على القوات الاحتياطية، ما يؤثر على الاقتصاد الإسرائيلي بشكل قوي. المعارك لا يألم لها أهل غزة فحسب، بل عدوها الإسرائيلي كذلك يألم، ومع استمرار الصمود من الشعب والمقاومة، تزداد مخاوف الاحتلال من هذا التهديد الوجودي، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.