اختطاف واستعباد المدنيين بواسطة مليشيا الدعم السريع،ارقام صادمة و روايات من ضحايا وشهود
“١”
ذكرت صحيفة واشنطن بوست أنه منذ اندلاع الحرب في السودان نفذت قوات الدعم السريع التي تقاتل الجيش النظامي حملة اختطاف في صفوف المدنيين، إما للحصول على فدية أو لاستعبادهم، وذلك وفقا لما ذكره شهود و10 ضحايا أطلق سراحهم.
وقال ضحايا وناشطون إن عناصر قوات الدعم السريع التي استولت على معظم أنحاء العاصمة الخرطوم، واجتاحت معظم أنحاء منطقة دارفور الغربية، جعلت من عمليات الاختطاف مصدرا للدخل. وقال بعض الضحايا إنهم استعبدوا وبيعوا للعمل في مزارع قادة قوات الدعم السريع.
في حين أكد آخرون أنهم احتُجزوا بينما أُجبرت عائلاتهم على دفع فدية لهم. وأكد شهود للصحيفة الأميركية أن من بين المختطفين فتيات تم استغلالهن في التجارة الجنسية.
وبحسب واشنطن بوست، فر أكثر من “10.7” ملايين شخص من منازلهم، وهو ما جعل السودان يشهد أكبر أزمة نزوح في العالم.
“٢”
استعباد وإجبار على العمل سخرة في المزارع والمنازل”، هذا ما يقوله لـ(عاين)، ضحايا ناجون اختطفتهم قوات الدعم السريع:
كانت صدمة محمد موسى، كبيرة، عندما اختطفته قوات الدعم السريع من منطقة “اردمتا” في ولاية غرب دارفور، وظن أنه سيقتل مثل رفاقه، لكن بينما هو قابع في مكان احتجازه سمع أفراد الدعم السريع يفاوضون شخصًا ما على دفع مبلغ مالي معين ليأخذ -محمد موسى.
صباح اليوم التالي، علم “موسى” أن أفراد قوات الدعم السريع الذين احتجزوه مع العشرات في المنطقة إبان اجتياح الدعم السريع لمنطقة اردمتا وسيطرته على حامية الجيش السوداني مطلع نوفمبر الماضي، قد باعوه بمقابل مالي.
وبحسب محمد، فإنه تم بيعه إلى شخص في منطقة “فور برنقا”. ويقول هناك “كانوا يشبهوننا بالبقر”. وفي هذه المنطقة كانوا يبيعون الأغراض التي نهبوها من أجهزة كهربائية وغيرها والأشخاص الآخرين المختطفين أيضا”.
قبل أن يتم بيعه كان أفراد قوات الدعم السريع، وعدوه بإعادته إلى أهله ومنزله. ويروي محمد موسى، في مقابلة مع (عاين) من مخيم للاجئين بادري التشادية بعد تمكنه من الهرب مؤخرا، تفاصيل مروعة عن تلك الليلة التي تم بيعه فيها إلى شخص لا يدري ما الذي سيفعله به.
بقي “موسى”، تحت وطأة التعذيب والضرب، بينما تمت تصفية آخرين من رفاقه لكونهم ينتمون إلى مكون “المساليت” الأهلي، وتم وضربهم بالفأس والسواطير والأسلحة النارية، ولكنه نجا من الموت.
رواية ثانية
في أثناء محاولته الفرار من منطقة اردمتا التي كانت تُمارس فيها قوات الدعم السريع أبشع الانتهاكات ضد السكان المدنيين، وقع “مسعود أحمد محمد” في قبضة هذه القوات، عند محاولته عبور الحدود السودانية مع دولة تشاد .
اقتادوا “مسعود” ومن معه إلى وحدة مكافحة التهريب بالمنطقة، وهناك وجد “مسعود” الكثير من الأشخاص الذين تم اعتقالهم عن طريق الدعم السريع وآخرين انضموا إليهم كأسرى من الجيش. وأضاف:” بقينا أربعين يوماً معتقلين، وكانت المعاملة سيئة، غير أننا تعرضنا للعنف الجسدي واللفظي والعنصري، وأجبرونا على العمل قسراً في منازل الضباط والبناء وجمع الحطب والزراعة دون مقابل”.
ويتابع محمد أحمد في مقابلة مع (عاين): “هناك أشخاص تم إطلاق سراحهم بعد أن دفع أقاربهم فدية مالية ما بين (700-1000) ألف جنيه سوداني فيما تمكن البعض الآخر من الهروب ليلاً وأنا من بينهم”.
ويشير مسعود، إلى أن رحلة الهرب إلى دولة تشاد المجاورة استغرقت عشرة أيام مشيا بالأقدام.
رواية ثالثة
أجبر “إبراهيم هارون” بعد اختطافه، على العمل في عدد من المناطق بعد الاعتداء والتعذيب الذي تعرض له هو ورفاقه من قبل قوات الدعم السريع عقب اعتقالهم من منطقة اردمتا مع آخرين.
“استخدموني لنقل أغراضهم، ومن ثم الزراعة في ضواحي مدينة الجنينة، بعدها أعادوني إلى اردمتا، وأخذوني إلى المعسكر، وتعرضت للعنف العنصري واللفظي، بعد ذلك أخذني أحدهم للعمل كخادم عند زوجاته وزراعة الفول والذرة في مساحات كبيرة”. يقول إبراهيم في مقابلة مع (عاين).
رواية رابعة
لا يختلف وضع محمد النور إسماعيل، عن رفاقه إذ هاجمتهم قوات الدعم السريع في اردمتا، واتهموهم بحيازة السلاح وطروحهم أرضا وهددوهم بالقتل إذا حاولوا الاعتداء عليهم بالأسلحة البيضاء.
“بعد هذا التعذيب، أخذوني مع آخرين للعمل في الزراعة صباحا ومساء، حتى تعرضت إلى جروح ونزيف في يدي.. بعدها منحوني 5 آلاف جنيه، وطلبوا مني المغادرة، ومنها اتجهت فورا إلى مخيمات اللاجئين السودانيين بتشاد”.
جرائم في نطاق أوسع
ما يحدث من انتهاكات هو تكرار لسجل متراكم مرتبط بالمليشيات، لم يكن هناك عدالة انتقالية وإنصاف الضحايا- بحسب المحامي ومدير برنامج الرصد والتوثيق بالمركز الأفريقي لدراسات السلام والعدالة، محمد بدوي محمد- الذي يرى أنه في المرحلة الحالية أصبح ارتكاب هذه الانتهاكات يتم على نطاق أوسع.
ويشير بدوي، إلى أنها كانت تقع في مناطق نائية ويصعب توثيقها، وأحيانا يتم التوثيق على نحو فردي مثلما حدث في مجزرة الضعين التي لم يتم فيها تحقيق من السلطات، ولم ينصف أحد، بالإضافة إلى طمس الأدلة بشكل ممنهج في مثل هذه الانتهاكات.
ويؤكد بدوي لـ(عاين): إن “هذه الانتهاكات تقع بشكل ممنهج في إطار الحروب السياسية، ولا يتعلق الأمر بتشديد العقوبة وطولها، وهذه الجرائم منصوص عليها في القانون السوداني كالخطف والسخرة والاستعباد الحديث، ولكنها تعالج الأحداث الفردية بعيدا عن نطاق الحرب التي تكون بشكل أوسع وممنهج مثلما حدث بعد حرب دارفور 2003 كانت هناك ممارسات أشبه بالسخرة”.
الطريق إلى العدالة
يصنف المحامي عبد الخالق النويري ما حدث من انتهاكات بحق المدنيين في منطقة اردمتا بأنه استرقاق وسخرة وفقاً للعهديين الدوليين للحقوق السياسية والمدنية والسودان من الدول الموقعة على العهدين بجانب أن القانون الجنائي السوداني يجرم الاسترقاق والسخرة. ويقول لـ(عاين): “الملاحظ أن الانتهاكات تستهدف مجموعات معينة وهذا محرم دولياً”.
ويعتبر المحامي المهتم بالعدالة الدولية، عبد الباسط الحاج، الانتهاكات التي وقعت في إقليم دارفور من أسوأ الانتهاكات وأخطرها حيث وقعت جرائم دولية عديدة منها جريمة الإبادة الجماعية التي تعتبر شكلاً من أشكال الجرائم التي تقوم على الكراهية والعنصرية المعلنة بالنية الواضحة في إنهاء جماعة عرقية وإثنية محددة، من ضمن جرائم العنصرية التي حرمها القانون الدولي والقانون الجنائي الدولي تحديدا في المادة السادسة والمادة الثامنة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي نصت على نحو صريح على منع الرق والسخرة والتعامل معه. والسودان طرف في هذه المعاهدة.
“٣”
المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري”993″ مفقود،بيهم “96 ” امرأة،و”897″ رجلا:
الحقيقة
وأكدت المجموعة تسجيل حالات اختفاء قسري جديدة في ود مدني والحصاحيصا والكاملين بولاية الجزيرة فضلا عن الرهد بولاية شمال كردفان وجبل الأولياء جنوبي ولاية الخرطوم.
وقال عضو المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري عثمان البصري لسودان تربيون إن عدد المفقودين جراء الحرب ارتفع إلى “993” مفقودا بينهم “96 ” امرأة و”897″ رجلاً.
وكانت المجموعة قد أفادت في تقارير سابقة بتسجيل “715” حالة اختفاء قسري في أكتوبر الماضي و”842″ حالة في ديسمبر الفائت.
وأصدرت المجموعة تقريرا في 21 أكتوبر الماضي شمل الفترة من 15 أبريل وحتى 15 أكتوبر، في كل من مدن الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري وود مدني بولاية الجزيرة والأبيض بشمال كردفان ونيالا والفاشر والجنينة وزالنجي بدارفور، أثبت اختفاء ذكور وإناث وأطفال إلى جانب “9” من أصحاب الاضطرابات النفسية.
وفي ديسمبر الماضي قالت إن عدد المفقودين جراء الحرب وصل إلى “842” شخصا من ضمنهم “127” مفقودا من منطقة جبل الأولياء، نحو 45 كيلومتر جنوبي الخرطوم موضحة أن عدد بلاغات حالات الاختفاء المسجلة في النيابة العامة بود مدني عاصمة ولاية الجزيرة بلغت “471” مفقودا.
وأكد عثمان البصري ازدياد حالات الاختفاء في مدن ترتكب فيها هذه الجريمة منها الرهد بولاية شمال كردفان وود مدني، والحصاحيصا والكاملين بولاية الجزيرة وجبل الأولياء بولاية الخرطوم.
وطالب البصري أسر المختفين بعدم التعامل مع من اسماهم بالمحتالين والتواصل مع المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري مباشرة أو عبر صفحة المجموعة على فيسبوك أو صفحة “حملة وديتوهم وين؟” على منصة اكس للمساعدة القانونية.
يذكر أن تقرير المجموعة في أكتوبر 2023 رصد خلال شهور الحرب الستة الأولى، تسجيل أكثر حالات الاختفاء القسري خلال شهر مايو الماضي بتسجيل “141” حالة، بينما سجلت مدينة الخرطوم أعلى حالات الاختفاء بتسجيل “309” حالات تليها أم درمان “156” حالة والخرطوم بحري “130” حالة.
وحينها سجلت مدينة الأبيض بشمال كردفان ونيالا بجنوب دارفور 3 حالات اختفاء في كل، إلى جانب حالتي اختفاء في الفاشر بشمال دارفور وحالة اختفاء واحدة في كل من الجنينة وزالنجي بغرب ووسط دارفور، إلى جانب تسجيل “110” حالة اختفاء لم يحدد مكانها بشكل دقيق لكن الاختفاء فيها كان داخل نطاق ولايات الحرب.
ومن ناحية النوع أحصى التقرير، وقتها، اختفاء “666” من الذكور منهم” 650″ بالغ و”16″ قاصرا، وبشأن الإناث سجل التقرير اختفاء “49” أنثى، “47” منهن بالغة و2 من القاصرات.