متابعات الحقيقة – التحقيق انتهى: لا أحد هنا!”.. ثلاثــة أشهر من الصمت الإماراتي تنتهي بتصريح طفولي ساذج

0
  • في 7 يناير 2025، أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية قرارًا مفاجئًا بإدراج سبع شركات مقرها دولة الإمارات ضمن لائحة العقوبات المفروضة على كيانات تدعم الحرب في السودان، متهمةً إياها بتقديم دعم مالي ولوجستي لميليشيات الدعم السريع، التي تخوض حربًا شرسة ضد الجيش السوداني وتُتهم بارتكاب جرائم إبادة جماعية في دارفور.

الشركات، بحسب نص القرار الأمريكي، يُشتبه بأنها واجهات مالية تعمل على تسهيل تهريب الذهب وتمويل عمليات شراء الأسلحة لمصلحة قوات محمد حمدان دقلو (حميدتي)، عبر وسطاء وشبكات تتخذ من دبي وأبوظبي مقارًا صورية لها.

ولكن ماذا كان رد فعل الدولة التي احتضنت هذه الكيانات؟ “لا شيء”.
لم يصدر أي تعليق رسمي إماراتي طوال ما يزيد على 80 يومًا، بينما الصحافة الدولية تُحمّل الإمارات مسؤولية صمتها، والمنظمات الحقوقية تزداد صخبًا، والسودان يرفع دعوى قضائية دولية أمام محكمة العدل الدولية يتهم فيها أبوظبي صراحةً بالتواطؤ في الإبادة الجماعية.

حتى جاء تاريخ 4 أبريل 2025، وأخيرًا خرجت وزارة العدل الإماراتية عن صمتها…

البيان المنتظر: “الشركات لا تعمل لدينا”
بعد 88 يومًا من الصمت والتحقيقات “الداخلية المعمقة”، أصدرت وزارة العدل في أبوظبي بيانًا قالت فيه التالي:

“الشركات السبع المعاقبة أمريكيًا لا تملك تراخيص تجارية سارية ولا تمارس أي نشاط لها في الدولة.”

بهذه الجملة القصيرة، وضعت الإمارات نقطة النهاية على أشهر من التساؤلات والفضائح، في محاولة لتبرئة نفسها من أي مسؤولية أو تورط، دون تقديم أي أدلة أو مستندات أو حتى أسماء مسؤولة عن هذا “الخطأ السيادي”.

البيان أوضح أيضًا أن السلطات الإماراتية “باشرت فور تلقيها الإشعار الأمريكي بالتحقيق”، وأنها “طلبت المزيد من المعلومات من الجانب الأمريكي”، وأن الدولة “تلتزم بأعلى المعايير الرقابية”.

لكن المثير للدهشة – بل للسخرية – هو أن هذه التحقيقات “المعمقة” انتهت إلى نتيجة يمكن لأي موظف مبتدئ في وزارة الاقتصاد التحقق منها خلال خمس دقائق من خلال قاعدة بيانات تراخيص الشركات.

من هي الشركات؟
لمن فاته المشهد، إليكم أسماء الشركات السبع التي فُرضت عليها العقوبات:

كابيتال تاب القابضة (ذ.م.م)
كابيتال تاب للاستشارات الإدارية (ذ.م.م)
كابيتال تاب للتجارة العامة (ذ.م.م)
كرييتف بايثون (ذ.م.م)
الزمرد والياقوت للذهب والمجوهرات (ذ.م.م)
الجيل القديم للتجارة العامة (ذ.م.م)
هورايزون للحلول المتقدمة للتجارة العامة (ذ.م.م)
كل هذه الشركات بحسب الخزانة الأمريكية إما شاركت في تهريب الذهب من السودان إلى دبي، أو استخدمت لتحويل أموال عبر واجهات مالية لدعم عمليات عسكرية في دارفور.

فهل يعقل أن تُتهم شركات بهذا الحجم، ثم تقول الدولة المضيفة: “آه، بالمناسبة… هؤلاء لا يعملون هنا”؟

والمشكلة ليست فقط في “سذاجة” البيان الإماراتي، بل في الآتي:

لماذا انتظرت الإمارات 3 أشهر كاملة لإصدار بيان بهذا الحجم من الطفولية والسذاجة.
إذا كانت الشركات لا تعمل أصلًا، لماذا لم تُعلن ذلك في اليوم التالي للعقوبات، كما فعلت دول أخرى في مواقف مشابهة؟
ما شكل التحقيقات التي استغرقت كل هذا الوقت لاكتشاف أن الشركات “بلا ترخيص”؟
وهل فحصت الإمارات مصدر أموال هذه الشركات؟ حساباتها البنكية؟ شحناتها السابقة؟ أم اكتفت بفحص أرشيف التراخيص فقط؟
بل الأخطر: إذا كانت هذه الشركات “وهمية”، فهل يعني ذلك أن الإمارات تحولت إلى ملاذ مثالي للشركات الشبحية التي تمول ميليشيات وتنهب ثروات أفريقيا؟

التحقيق انتهى: لا أحد هنا!
ما فعله البيان الإماراتي يُشبه إلى حد كبير مشهدًا من المسرح العبثي:

تُوجَّه إليك تهمة بتمويل الإبادة الجماعية، فتعقد لجنة، ثم تحقق، ثم تعود بعد ثلاثة أشهر لتقول: “لا يوجد أحد في العنوان”.

ولأنك لا تملك جوابًا حقيقيًا، تكتفي بأن تقول للعالم: “نحن دولة قانون، لكن الشركات… اختفت.”

في منطق القانون الدولي، هذا ليس دفاعًا، بل إدانة إضافية. لأن عدم معرفة الدولة بمن يعمل على أراضيها، وبتحويل الأموال والذهب والسلاح من داخلها، يجعلها شريكًا في الجريمة بالإهمال إن لم يكن بالفعل.

والكل يعلم أن هذا الرد هو عبث مطلق فالإمارات دولة متقدمة في الجاسوسية والاختراق وفضائح بيجاسوس تزين سجلها الأسود، فهي دولة بلا قانون ولا قواعد ولا أخلاق، فكيف يمكنها أن تبرر للعالم أنها لم تعلم بالضبط ما الذي يجري على أرضها.

الحقيقة أن ما صدر عن وزارة العدل هو أضعف بيان رسمي صدر من الإمارات حول تورطها في ك الإبادة الجماعية في السودان، وكأنه كُتب على عجل من طالب راسب في عامه الأول في العمل السياسي أو الإعلامي، ليملأ الفراغ قبل انعقاد أول جلسة لمحكمة العدل الدولية في لاهاي.

بالطبع، إليك مقطعًا ختاميًا بديلًا بصياغة أقوى وأكثر تعبيرًا عن جوهر الموضوع:

لا براءة في ادعاء الجهل ولا عذر في التواطؤ
أن تصدر عقوبات دولية ضد شركات تعمل في أراضي الإمارات بتهمة تمويل الإبادة الجماعية، ثم تنتظر حكومة الإمارات ثلاثة أشهر لتخبرنا أنها “ليست مرخصة”، فهذه ليست سوى إعلان صريح بأنها فقدت السيطرة فلم يعودوا قادرين على إيجاد مخرج من هذا المأزق وفقدوا قدرتهم على الكذب والتلاعب والتحريف أو فقدوا الحياء مستخفين بالرأي العام المحلي والإقليمي والعالمي مرتكزين على الرشاوى التي تم تقديمها لترامب أملا في الحماية.

والخلاصة أنه لا أحد يصدق أن هذه الشركات ظهرت من العدم، ولا أحد يقبل بأن دولة تفتخر بأجهزتها الأمنية وشبكاتها الاستخباراتية لا تعرف من يُصدّر الذهب من موانئها، ولا من يُرسل الأسلحة إلى دارفور من مطاراتها.

البيان الإماراتي لم يُبرّئ، بل أدان. لم يُوضّح، بل فضح. لم يُنقذ الموقف، بل أثبت أن النظام الإماراتي اختار كعادته أن يكون في الجزء المظلم من التاريخ: طرف التجارة في دماء الشعوب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.